الخميس، 17 أكتوبر 2013

مسـتقبل الطاقة في مصر و العالم


إذا اسـتمر العالم – و مصر جزء منه -  في إنتاج الكهرباء بالنمط الحالي، أي حرق الوقود الحفري و شـطر اليورانيوم، فسـينفد كلاهما في غضون سـتين سـنة و يعود العالم للعصر الحجري. فهل تكون هذه هي نهاية شـعب مصر الذي صنع التاريخ؟

العالم المصري د. مهندس/ هاني النقراشي خبير الطاقة الشمسية
د. هانئ محمود النقراشي
مقال إفتتاحي ينشر بالاتفاق مع نشـرة الخريف 2013 مركز القبة السـماوية العلمي بمكتبة الإسـكندرية
إن إنتاج الطاقة يأتي في المرحلة التالية من الضروريات بعد توفير الماء و الغذاء للإنسـان لأنها المحرك الأسـاسي للتنمية، و لكن ما فائدة التنمية إذا كانت مؤقتة و يتبعها الهبوط إلى الهاوية؟
إذا انتظرنا إلى قرب نفاد كلا الوقود الحفري و الإنشـطاري، سـيكون التزاحم على شـراء ما تبقى منه على أشـده ولن نحصل عليه إلا بغالي الثمن الذي يقوض مقومات التنمية.
إذا من الحكمة أن نبدأ فورا في التخطيط لما بعد عصر النفط الذي طغى على حياتنا .... شـريطة أن يتصف المخطط بالاسـتدامة، أي يسـمح بالاسـتمرار على نهجه طالما وُجدت البشـرية على وجه الأرض، و هذا لا يتأتى إلا إذا اتجهنا إلى الطاقات المتجددة.
بنظرة إلى المتاح في مصر من الطاقات المتجددة المعروفة، نجد أن الطاقة الشـمسـية – و خاصة في صعيد مصر – أكثر من احتياجات المجتمع المصري الآن و في المستقبل، بل تكفي لتلبية متطلبات العالم كله.
و لكن نجاح أي مخطط في هذا الصدد يعتمد في الدرجة الأولى على التقنية المناسـبة لتحقيقه. و لاسـتخدام الطاقة الشـمسـية لإنتاج الكهرباء نجد تقنيتان: الخلايا الشـمسـية التي تحوّل ضوء الشـمس إلى كهرباء مباشـرة، و هذه لا تتيح تخزين الكهرباء المُنتجة نهارا لاسـتخدامها ليلا، فلا كهرباء بعد غروب الشـمس. ثم تقنية تركيز أشـعة الشـمس بالمرايا للحصول على درجة حرارة عالية تسـمح بإنتاج بخار الماء بحيث تلبي نفس الغرض الذي أنشـئت من أجله المراجل التي تعمل بالوقود الحفري في أغلب محطات الكهرباء في العالم. و هنا تظهر فائدة هذه التقنية، فبجانب أنها تحل محل الوقود الحفري فهي تفتح المجال للتخزين الحراري و هذا التخزين متاح بتكلفة أقل مائة مرة من تكلفة تخزين الكهرباء. كذلك تظهر الميزة النوعية لمصر حيث أن الأشـعة المباشـرة لشـمسـها – بخلاف تلك في دول الشـمال – يمكن تركيزها في بؤرة و هذا هو شـرط تفعيل هذه التقنية.
و على ذلك فإن المحطات الشـمسـية الحرارية ذات التخزين الحراري تغني مصر كليا عن إسـتيراد الوقود لإنتاج الكهرباء و تغني كذلك عن المحطات النووية، حيث أنها تتميز بنفس الأداء و لكنها أسـرع في بنائها و إدخالها الخدمة و لا ينتج عنها نفايات خطيرة فضلا عن أنها أقل منها في السـعر الذي ينخفض مع تزايد إنتاج وحداتها. و مقارنتها بالمحطات النووية يُظهر لنا مميزات أخرى منها سـرعة بنائها لتواكب التزايد على الطلب، غير أن مكوناتها تُضنّع محليا مما يتيح فرص عمل وفيرة.
إختيار قدرة نمطية صغيرة للمحطة فيه يُسـر للتمويل و يتيح إنتاجها بأعداد كبيرة. و اختيار موقعها قرب التجمعات السـكنية و نشـرها على طول خطوط الكهرباء ينقص الحمل على الخطوط و يُنقص فواقد النقل. خاصة أن إختيار الموقع لا يُراعى فيه وجود مجرى مائي لأن تبريد المحطة النمطية يجب أن يكون بالهواء. و إذا كان موقعها قرب البحر يُسـتغل فائضها الحراري لتحلية مياه البحر.
عند اتباع هذه السـياسـة سـترقى مصر إلى مصاف الدول المُصدّرة للكهرباء الشـمسـية، بل أيضا إلى مصاف الدول المصدرة للخبرة و المعدات الخاصة ببناء هذه المحطات حيث يتوافر لديها كل مقومات التنمية: شـعب ذكي دؤوب على العمل و مورد طاقة لا يفنى.
و لا ننسى أن تحلية مياه البحر هي المخرج الوحيد أمامنا لتوفير الماء و بعده الغذاء. فإن قلة المتاح من ماء النيل يدفعنا إلى إنقاص مياه الري مما يتسـبب في تناقص الصرف الزراعي و هذا بدوره سـبب تزايد ملوحة الأرض و إفسـادها لأجيال كما حدث لمن سـبقونا في هذه التجربة الخطيرة.
لختام هذا الحديث، إذا نظرنا إلى تاريخ شـعب مصر الذي تمتد حضارته لأكثر من سـبعة آلاف عام أرسى في الآلاف الخمس الأخيرة منها أقدم دولة على وجه اللأرض مازالت على مر كل هذه السـنين و للآن تتألـّق بعطائها، فيجب أن نتسـاءل بأي حق نسـمح لأنفسـنا أن نفسـد هذه الأرض الطيبة بعد أن ورثناها من أجدادنا في حالة صحية سـمحت لنا بالعيش فيها بكرامة و عزة.
لكل هذه الأسـباب نرى ضرورة تثبيت إطار الإسـتدامة في دسـتور مصرفي فقرة خاصة: الحفاظ على مقومات الدولة بتطبيق مبادئ الإسـتدامة في الزراعة و إنتاج الطاقة و غيرهما من ضروريات المجتمع، و ذلك لضمان سـلامة البيئة للأجيال القادمة.
  
E-mail: HN@nokraschy.net  
Middle East - North Africa Renewable Energy Conference: www.menarec.org

 

ليست هناك تعليقات: