أثارت تصريحات سحر نصر، وزيرة التعاون الدولي، حول خصخصة المرافق العامة ضجة. ورغم نفي التصريحات سريعًا من جانب الحكومة، إلا أن خطط خصخصة البنية التحتية مستمرة.
في
مقال منشور بصحيفة وول ستريت جورنال يوم 23 نوفمبر، كتبت سحر نصر تقول إنه «من خلال عمليات اكتتاب عامة، سوف تنسحب مصر جزئيًا من عدة مشروعات وبنوك تملكها الدولة. وستشمل عمليات الاكتتاب، للمرة الأولى، شركات المرافق العامة التي تم استثناؤها تاريخيًا باعتبارها قطاعًا استراتيجيًا».
وعقب الضجة الإعلامية بشأن إمكانية بيع المرافق العامة –خاصة تلك التي توفر المياه والصرف الصحي والكهرباء والغاز- إلى القطاع الخاص، أصدرت الوزيرة
بياناً في 26 نوفمبر، قالت فيه إنه «على عكس ما نشرته بعض المواقع الإلكترونية، لا توجد أي إشارة في المقال إلى قطاعات خدمية مثل الكهرباء والصرف الصحي والمياه، نظرًا لأن الدولة تمتلك حصة حاكمة في تلك المشروعات».
ومن ناحيته، نفى
مركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء وجود عروض حكومية لبيع هذه المرافق العامة في بيان نشره يوم 28 نوفمبر، باسم وزارة التعاون الدولي. جاء في البيان: “تمتلك الحكومة حصة حاكمة في تلك المشروعات، وهي غير معروضة للبيع”.
ومع هذا، تركز مصر على جذب المستثمرين على أمل إنعاش الاقتصاد المُنهك بسبب سنوات من عدم الاستقرار والاضطرابات السياسية. وتقوم البلاد بعملية خصخصة للقطاع العام منذ عقود، لكن تعهد الحكومة الحالية بتحرير الاقتصاد والسماح للقطاع الخاص بقيادة عملية التنمية سوف يوسع من عمليات بيع قطاعات غير تقليدية مثل المرافق العامة، والصحة، والتعليم.
ولقد شهدت الأعوام المنصرمة صياغة العديد من مشروعات القوانين التي تضع الكهرباء والغاز والمياه والصرف الصحي في يد القطاع الخاص. فرغم أن القوانين المقترحة لا تؤدي إلى خصخصة الشركات المملوكة للدولة مباشرة، فإنها تهدف إلى تقليص دور الدولة إلى الحد الأدنى عبر فتح السوق أمام القطاع الخاص، الذي «سيوفر خدمات تنافسية»، بحسب زعم الحكومة.
المياه والصرف الصحي
في سبتمبر الماضي،
أقر مجلس الوزراء مشروع قانون جديد؛ يهدف لإعادة تنظيم قطاع المياه والصرف الصحي، والسماح بمشاركة الشركات الخاصة، لم يصل للبرلمان بعد، بحسب علاء والي، عضو لجنة الإسكان بالبرلمان.
وفقاً
لمشروع القانون، فإن جهاز تنظيم مياه الشرب والصرف الصحى وحماية المستهلك، الذي أنشيء عام 2004، سيكون مسؤولا عن ضمان التنافسية بين مقدمي الخدمة، وتحديد الأسعار. ثم تتولى الحكومة تحديد التعريفة التي يشتري بها المشترك الخدمة. وإذا كانت التعريفة أقل من سعر الخدمة، تقوم الحكومة بدعم الفارق.
ومع هذا، يرى يحيى شوكت، الباحث في العمران، أنه في هذه الحالة سيدفع المواطنون مقابل هذه الخدمات أكثر مما يدفعونه حاليًا، مستنتجاً أنه في ظل أن الحكومة بالفعل تسعى لضبط أوضاعها المالية، فإنها في نهاية الأمر سترفع الدعم بكامله عن المرافق العامة تمامًا في إطار جهودها لسد العجز المتزايد في الموازنة. وفي عام 2014،
خفضتالحكومة دعم المياه لأول مرة منذ 8 سنوات، وفرضت أسعارًا جديدة منذ شهر يونيو في ذلك العام.
وبموجب مشروع القانون الجديد أيضاً، ستوفر الحكومة الأرض لأي مشروع مياه أو صرف صحي. بينما يحدد أن تكون موارد جهاز تنظيم مياه الشرب والصرف الصحى وحماية المستهلك من عوائد إصدار تراخيص لموفري الخدمة، ومن الغرامات، ومن استثماراتها.
ويقول عبد المولى إسماعيل، عضو منتدى الحق في المياه في المنطقة العربية، إن السماح للقطاع الخاص بتوفير خدمات المرافق العامة سيخلق سوقًا يجعل من الخدمة عرضة للعرض والطلب، مضيفاً أن «هذا يعني توفير المرافق العامة للقادرين فقط على دفع ثمنها».
الكهرباء
بالنسبة للكهرباء، قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتصديق على قانون جديد يُنظم سوقها عام 2015،
وافق عليه البرلمان في يناير 2016.
ويتمثل التغير الأبرز الذي استحدثه القانون الجديد في السماح للقطاع الخاص بالاستثمار في توزيع الكهرباء على العملاء، بينما اقتصر الأمر في السابق على الشركة القابضة للكهرباء، التي تملكها الدولة.
ويفوض القانون في تنظيم سوق الكهرباء
الهيئة المصرية العامة للكهرباء، وهي الهيئة المسؤولة ليس فقط عن إصدار التراخيص للشركات العاملة في توليد وتوزيع الكهرباء، ولكن أيضاً عن التعاقد معهم وتحديد التعريفة مُسبقًا. تهدف الهيئة كذلك إلى ضمان المنافسة في سوق الكهرباء,
وقبل صدور القانون، كان بمقدور
القطاع الخاص الاستثمار في توليد الكهرباء بموجب اتفاقيات البناء، والامتلاك، والتشغيل، والنقل (BOOT)، والتي تمنح الشركات الخاصة الحق في بناء مرافق مثل محطات توليد الكهرباء وتشغيلها لمدة زمنية مُحددة؛ تغطي تكاليف البناء وتوفر أرباحًا مقابل الاستثمار، قبل نقلها إلى الملكية العامة.
مع ذلك، شهد دور القطاع الخاص في إنتاج الكهرباء المزيد من التوسع عن طريق الاتفاقيات التي تم توقيعها مع شركة جنرال إلكتريك لإنشاء محطات كهرباء في أسيوط وغرب دمياط، وصعيد مصر، ومع شركة سيمنز في العاصمة الإدارية الجديدة، وبني سويف، والبُرلس في مارس 2015.
يقول أكرم إسماعيل، مهندس واستشاري في قطاع الكهرباء لـ «مدى مصر»، إن التعاقد مع القطاع الخاص في بيئة غير مستقرة اقتصاديًا ينتقص من قدرة الحكومة على تحديد التعريفة. ويعتبر إسماعيل أن إقناع القطاع الخاص بالاستثمار في توفير الكهرباء، يجب أن يُخضع تحديد التعريفة لاعتبارات تغير أسعار الوقود ومعدل صرف العملات الأجنبية، وغيرها من العوامل المُتغيرة.
الغاز الطبيعي
في 28 نوفمبر، أحال مجلس الدولة
مشروع قانون سوق الغاز الطبيعي إلى البرلمان بعد مراجعته فنياً قبل التصديق النهائي عليه.
مشروع القانون هنا أيضا جزء من
خطة لتحرير سوق الغاز. ولقد تم إنشاء وحدة داخل شركة الغاز المملوكة للدولة في عام 2015؛ مُكلفة بالإشراف على بيع وتوزيع الغاز الطبيعي من قبل شركات خاصة، وفقا لوزارة البترول.
ويهدف الجهاز التنظيمي الجديد لتعزيز المنافسة الحرة، وتحديد تعريفة استهلاك الخدمة، وإصدار التراخيص لنقل وشحن وشراء وتوزيع وتخزين الغاز. وتأمل الحكومة في أن يؤدي تحرير سوق الغاز إلى تشجيع شركات الغاز الأجنبية العاملة في مصر إلى توجيه مبيعاتها إلى السوق المحلية.
ووفقا لـ
بيان صادر عن وزارة البترول، تخطط الحكومة للسماح لأي طرف داخل مصر باستيراد الغاز من أي مكان في العالم، شريطة ألا يؤثر هذا على الأمن القومي المصري. ويؤكد البيان أن: «وتعد هذه خطوة نحو تحرير سوق الغاز فى مصر مستقبلاً».
وسوف يُسمح للمستوردين باستخدام الغاز لأنفسهم، أو بيعه لشركات أخرى، ودفع الرسوم الجمركية النقل عبر شبكة المواصلات المحلية.
وكانت مسودة قانون تحرير قطاع الغاز الطبيعي من بين الإجراءات المسبقة المطلوبة لإتمام
اتفاق قرض وقعته مصر مع البنك الدولي نهاية العام الماضي ضمن طائفة من القوانين الصديقة للمستثمرين والشركات، التي تم إقرارها قبيل انعقاد مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري في شرم الشيخ في مارس 2015، على رأسها تشريع ضريبي قضى بتخفيض الحد الأقصى لضريبتي الشركات والدخل من 30% إلى 22.5%؛ وقانون لفتح الباب أمام خصخصة قطاع الكهرباء؛ وقانون الاستثمار الذي تقول منظمات المجتمع المدني إنه يمنح صلاحيات واسعة للمستثمرين.
ويقول شوكت إنه «بمجرد أن يدخل القطاع الخاص، ستتحول هذه المرافق إلى سلعة بدلًا من كونها خدمات عامة»، مضيفاً أن «هذه مشكلة كبيرة، لأن المواطنين لن يدفعوا فقط تكلفة الإنتاج، ولكن سيدفعون كذلك هوامش ربح للشركات من أجل الحصول على المرافق الأساسية».
ترجمة: نصر عبد الرحمن