زيادة الطلب على الوقود الحيوي من العوامل التي تساهم
في الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية. لكن خبراء التغذية يحملون
المسؤولية الكبرى في الارتفاعات لأسواق المضاربة وعولمة الاقتصاد
الزراعي.
لا تكمن المشكلة الأساسية للاقتصاد الزراعي العالمي في ضعف المحصول
الزراعي في البلدان النامية والفقيرة، بل تتجلى بالأساس في اضطراب وتراجع
المحاصيل في المناطق المنتجة الرئيسية مثل الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا
الوسطى. هذا ما عبرت عنه مؤخرا منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة FAO،
والتي تقدر قيمة التكاليف الإضافية التي تحتاج البلدان النامية لإنفاقها
هذا الموسم على الواردات الغذائية، بحوالي ثمانية مليارات دولار.
هذا الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية هو ناتج، على حد تعبير
أولريش هوفمان، رئيس مجلس التجارة والتنمية المستدامة في المؤتمر العالمي
للتجارة والتنمية UNCTAD في جنيف، عن تأثر أسعار
المواد الغذائية وارتباطها بشكل متزايد بأسعار الطاقة. ويضيف هوفمان بأن
سوق الطاقة الذي كان له في الماضي تأثير محدود وثانوي على تكلفة المواد
الكيميائية والأسمدة وتكاليف التشغيل، قد أصبح له اليوم ارتباط وثيق بسوق
الطاقة، حتى أصبح المزارع يفكر مليا ووفق ظروف السوق وتقلباته، إذا ما كان
سيبيع منتجاته بسوق الوقود أم بسوق الغذاء.
أولريش هوفمان: تقلبات البورصة يسبب ارتفاع أسعار المواذ الغذائية
وهذا ما يضطر العديد من المزارعين المعاصرين إلى أخذ تطورات أسواق الطاقة
ومضاربات البورصة العالمية حول المواد الغذائية بعين الاعتبار. فغالبا ما
تحدد أسعار المنتجات الزراعية وتباع في أسواق البورصة، وذلك قبل نضج
المحاصيل وحصادها. وهو ما يصعب مهمة المزارعين، الذين أصبحوا يتتبعون
تقلبات الأسواق العالمية عن كتب. وهذا ما يؤكده هوفمان: "بالنسبة للمزارعين
أصبح من الصعب عليهم التفاعل مع التطورات المستمرة في الأسعار" . كما
يشير هوفمان إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن أيضا في ازدياد ضغط التكلفة على
الزراعة بسبب تزايد ما يسمى بعولمة التصنيع الزراعي واحتكار الشركات
الزراعية المختصة، والتي تتأثر بدورها بشكل كبير بعوامل السوق الخارجية
والتطورات العالمية.
ملايين الهكتارات لعلف الماشية
ضغط التكلفة يبدو جليا أيضا في مزارع تربية الماشية، بسبب تزايد استهلاك
اللحوم عبر العالم. مع الازدهار الاقتصادي الذي عرفته بعض الدول الصاعدة
مثل البرازيل والصين، تزايدت أيضا نسبة استهلاك الفرد للمواد الغذائية في
هذه الدول. من أجل تلبية الطلب المتزايد والحفاظ في نفس الوقت على انخفاض
الأسعار، أصبحت تربية الماشية بشكل مكثف في حظائر مكتظة بالأبقار والأغنام
من الظواهر المثيرة للجدل، حتى في أوروبا. يقول يورغن ماير،
المدير العام لمنتدى المنظمات غير الحكومية المعنية بالبيئة والتنمية:
"قام الاتحاد الأوروبي باستغلال حوالي 20 مليون هكتار في أمريكا الجنوبية
لهذا الشأن. مساحة تحتاجها أوروبا لإنتاج كمية كافية من الصويا،
التي يتم استيرادها لتغذية الحيوانات في مزارع تربية الماشية". ماير
ينتقد هذا النهج بشدة ويعتبره مخالفا لفكرة التنمية المستدامة، التي تسعى
إليها الأمم المتحدة.
تربية الماشية في ظروف طبيعية لم يعد يكفي لتلبية الطلب المتزايد على اللحوم
منتدى المنظمات غير الحكومية المعنية بالبيئة والتنمية ومركز التنسيق
للمنظمات غير الحكومية الألمانية اللذين يعملان دوليا في مجال سياسة
التنمية المستدامة، يحذران منذ سنوات من آثار الزراعة الصناعية. وذلك ليس
فقط بسبب تأثير هذه السياسة على البيئة، بل أيضا بسبب تضرر صغار المزارعين
في البرازيل وغيرها من الدول نتيجة احتكار الشركات الزراعية الكبرى للقطاع
الزراعي. وهذا ما يجعل الكثير من المزارعين الصغار في البرازيل مثلا
ينتهون في الأحياء الفقيرة في ساو باولو.
إعادة هيكلة السياسة الزراعية العالمية
يورغن ماير ينتقد الاتحاد الأوروبي في ما يخص دعم المزارعين
بالإضافة إلى ذلك ينتقد خبير التنمية يورغن ماير، سياسية الاتحاد
الأوروبي الذي لازال يخصص حوالي 50 مليار يورو لدعم المزارعين داخل
أوروبا. وغالبا ما تستفيد شركات الصناعة الزراعية بشكل كبير من هذا الدعم.
ويضيف ماير في هذا الصدد: "لقد قمنا بإلغاء دعم الصادرات المباشرة إلى حد
كبير، ولكن الإعانات والدعم الأوروبي بشكل عام يجعل المنتجات الأوروبية
أرخص. حيث يقومون بتخفيض تكاليف الإنتاج بشكل مصطنع، لكي تصبح المنتجات
الأوروبية أكثر قدرة على المنافسة في السوق العالمية. يطالب يورغن ماير
بتغيير هيكلي في السياسة الزراعية الأوروبية ويدعو إلى سياسة تراعي مبدأ
الاستدامة وتراعي حقوق المزارعين الصغار، حتى ولو اقتصر الأمر على أوروبا
فقط . ماير غير متفائل بوقوع تغيير حقيقي وهيكلي على مستوى السياسة
الزراعية للمجتمع الدولي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق