دعت ندوة سد النهضة بين التهويل والتهوين التي عقدت مؤخراً بملتقى الطاقات المتجددة والمياه ببيت السناري التابع لمكتبة الإسكندرية بالقاهرة إلى قيام الحكومة بتبني عدة توصيات لتحقيق هدف مصر في الحفاظ على حصتها المائية، والوصول لاتفاق مرض مع أثيوبيا في ضوء قيام الأخيرة ببناء سد النهضة مما وضع مصالح مصر المائية في خطر عدم الاعتبار، والضغط على القاهرة لتحقيق مصالح أحدى دول المنبع على حساب حقوق مصر الثابتة في نهر النيل منذ عشرات السنين. مع استعداد مصر لاحترام مفهوم الاستخدام العادل للمياه في إطار عدم الإضرار والمساس بحقوقها في نهر النيل.
دعا د. عباس شراقي رئيس قسم الموارد والمياه بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية التابع لجامعة القاهرة إلى عدم الاعتماد كلياً على نتائج الدراستين لأنهما لن يغيرا من خصائص السد الحالية، مزيد من التعاون مع السودان ودول منابع النيل لكسب تأيدهم لمصر، توضيح رؤية النظر المصرية فى قضية سد النهضة للمجتمع الدولى، والاعلان عن تفاصيل تقرير لجنة الخبراء الدولية، تمسك مصر بالاتفاقيات المبرمة مع دول الحوض. فى حالة تعنت إثيوبيا، تطلب مصر فتوى من محكمة العدل الدولية فى مشكلة سد النهضة كحق قانوني ثابت، توقيع اتفاقية تفصيلية مع اثيوبيا لتشغيل سد النهضة بتعاون مصرى - سوداني مع اثيوبيا. وأخيراً توقيع اتفاقية شاملة مع اثيوبيا تضع آليات التعامل المائى فى المستقبل، لمنع تكرار سيناريو سد النهضة عند إقامة أى مشروع مائى آخر وهذا وارد بشدة حتى في حدود تحقيق أهداف أثيوبيا التنموية من إقامة سد النهضة نفسه.
شدد د. شراقي على أن نهر النيل مصدر المياه الرئيسى لمصر (97%)، إلى جانب بعض المصادر الأخرى مثل المياه الجوفية العميقة الغير متجددة فى الصحراء الغربية وكميات ضئيلة من الأمطار على شريط ضيق من الساحل الشمالى وبعض الأودية والسيول وكميات محدودة تنتج من محطات تحلية مياه البحر. الوضع المائى فى مصر حرج طبقا للاستخدامات الحالية، حيث يبلغ نصيب الفرد حاليا حوالى 634 م3 بنقص قدره 366 م3 عن حد الفقر المائى العالمى (1000 م3 سنويا).
علماً بأن هضبة البحيرات الاستوائية والتي تشارك بحوالي 13 مليار م3 (15% من إيراد نهر النيل عند أسوان)، تشمل بحيرات فيكتوريا - كيوجا – إدوارد - جورج – ألبرت.
في حين الهضبة الإثيوبية تشارك بحوالي 71 مليار م3 عند أسوان (85% من إيراد نهر النيل، من خلال ثلاث أنهار رئيسية: النيل الأزرق (50 مليار م3) ونهر السوباط ( 11 مليار م3) ونهر عطبرة (10 مليار م3).
لافتاً الانتباه إلى قيام مكتب الاستصلاح الأمريكي بدراسة موسعة عن حوض النيل الأزرق أعوام 1958 -1964، حددت تلك الدراسة 33 موقعاً لإنشاء مشروعات مائية منها سد النهضة. أو سد بوردر (11,1 مليار م3) الاسم الأصلي الذي جاءت به الدراسة.
تكشف ملابسات مشروع السد عن استفادة الحكومة الاثيوبية من انشغال مصر بثورة يناير، في الاعلان عن سد النهضة في فبراير 2011. يقع سد النهضة في نهاية النيل الأزرق علي بعد حوالي 14,5 كم من الحدود السودانية في منطقة يغلب عليها الصخور المتحولة لحقبة ماقبل الكمبري، والتي تشبه في تكوينها جبال البحر الأحمر.
تم وضع حجر الأساس في اليوم التالي لتوقيع العقد 2 ابريل 2011، بسعة تخزينية أكبر تصل إلي 64 مليار م3. وسمي بالألفية (طبقا لرئيس الوزراء الاثيوبي) لأنه سوف يكون أكبر سد تشيده إثيوبيا علي نهر النيل أو أي نهر إثيوبي آخر خلال الألفية الحالية، تتمثل الخصائص الفنية لسد النهضة في كونه سد رئيسي خرساني علي مجري النيل الأزرق بارتفاع 145م وطول 1800م، وبيتين يحتويان علي وحدات (توربينات) لانتاج 6000 ميجاوات، وسد مكمل (سرج) بارتفاع 50 م وطول 5 كم لزيادة حجم تخزين المياة إلي 74 مليار م3. تبلغ تكلف سد النهضة المعلنة نحو 4,8 مليار دولار أمريكي، والتي من المتوقع أن تصل في نهاية المشروع إلي أكثر من 8 مليار دولار أمريكي.
للسد فوائد ظاهرية على السودان منها التحكم فى فيضان النيل الأزرق، جريان المياه طول العام بدلا من أن تكون موسمية، حجز الطمى الذى يهدد كفاءة السدود السودانية، زيادة انتاج الكهرباء من السدود السودانية.
لكن اخطاره تتمثل في زيادة فرص تعرض السد للإنهيار نتيجة العوامل الجيولوجية وسرعة اندفاع مياة النيل، الضرر الأكبر سوف يلحق بالسودانية خاصة الخرطوم التي قد تجرفها المياه بطريقة تشبه السونامي، زيادة فرصة حدوث زلازل بالمنطقة التي يتكون فيها الخزان، فقد السودان للطمي الذي يخصب الأراضي الزراعية حول النيل الأزرق، تلوث مياة بحيرة السد نتيجة تخزينها أعلي صخور غنية بالمعادن والعناصر الثقيلة، فقد مصر والسودان لمياة التخزين الميت لسد النهضة والتي تصل إلي 25 مليار م3، تحكم إثيوبيا الجزئى فى تصريف مياه النيل الأزرق (60% من مياه النيل)، خفض قدرة السد العالى على توليد الكهرباء بنسبة تتراوح بين 10-20%. أما المفاوضات الجارية حالياً يمكن تلخيصها تحت عنوان "مرونة مصرية ومراوغة إثيوبية"، استطاعت إثيوبيا توجيه مفاوضات السد (مناقشة الارتفاع والسعة التخزينية) لتصبح مفاوضات مابعد السد ؛ بمعنى طريقة تشغيل السد. وصل حجم بناء سد النهضة إلى أكثر من 50% والمرحلة الأولى للتشغيل سوف تبدأ فى يوليو 2016 مع بداية موسم الأمطار.
التوصية الأهم لندوة بيت السناري التابع لمكتبة الإسكندرية وبالتعاون مع الشبكة المصرية للطاقات المتجددة والمياه تتمثل في ضرورة البناء على جهد اللجنة الدولية التي قامت بمراجعة دراسات السد فى مايو 2012 لمدة عام، وخلصت اللجنة إلى تقرير يوضح أن الدراسات أولية ولاتتناسب مع مواصفات السد الكبيرة وأوصت بعشرات التوصيات لعمل دراسات هندسية انشائية وهيدرولوجية وبيئية. فلا يجب الاكتفاء بعمل دراسات فنية وتجاهل التوصيات الهندسية والانشائية والبيئية ففي هذا إهدار لصيانة حقوق مصر في المياه وتبديد لأوراق تفاوضية لا يصح التخلي عنها تحت أي مسمى كشرط لنجاح القاهرة في مواجهة التحديات القادمة من الجنوب المتطلع للعلب أدوار غير مسبوقة في حاضر البلد و مستقبله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق