لا يوجد في العالم كله – مدفن – للنفايات النووية مرخص وجاهز للنفايات عالية الاشعاع. النفايات المتوسطة وضعيفة الاشعاع تدفن في أوعية خاصة قريبة من السطح في فرنسا والولايات المتحدة واليابان وجنوب أفريقيا.
اختيار الموقع المناسب لدفن النفايات النووية لا يمثل مشكلة فنية / علمية فقط بل تحدي اجتماعي أيضاً. في العادة لا يهتم مسئولوا الطاقة النووية بالتحفظات المجتمعية والمشاركة الديمقراطية والشفافية في تحديد الموقع المناسب.. هنا تقدم ألمانيا نموذجاً يجب دراسته والخروج بأفكار محددة من وراء فحصه واستيعابه.
اختارت ألمانيا منجماً قديماً للحديد الخام، منجم كونراد، في زالتسجيتر في سكسونيا السفلى لتخزين عميق لنفايات المفاعلات والاستخدام الطبي لمواد غير مولدة للحرارة. منجم كونراد هو مدفن النفايات النووية الأول والوحيد في ألمانيا الذي يتم إعداده لغرض تخزين نفايات نووية.
البداية .. تصريح ملئ بالعنجهية والثقة الزائدة لـ كارل فريدريك فون فايتسكر عام 1969 أن النفايات النووية وحتى عام 2000 سيسعها صندوق مكعب طول أضلاعه 20م، ووضعه في منجم يعني أن المشكلة حُلت. في فبراير 1955 وأثناء الإعداد للقانون الخاص للطاقة النووية قال مسئول حكومي "أن النقل غير المضر للنفايات النووية المشعة مهمة يجب القيام بها قبل التصدي لبناء مفاعل في الجمهورية الاتحادية – ألمانيا الغربية – ذات الكثافة السكانية العالية".
القانون الألماني نص في فقرته السادسة على أن (من يستخدم مفاعلات نووية عليه التخلص من النفايات النووية المشعة بطريقة منهجية منظمة) للاسف لم يذكر القانون طريقة اختيار المدفن المناسب، وظل السؤال عالق منذ عام 1960 حتى الآن بصورة أو بأخرى.
بناء على كل ما سبق تبنت ألمانيا نظام اختيار متعدد المراحل مع مشاركة مستمرة للرأي العام. رغم ذلك تظل هناك اعتبارات سياسية وراء اختيار موقع مدفن زالتشتوك بالقرب من جوروليين، مما يعني احتمال اللجوء للمحاكم وضياع عقود من الزمن قبل البحث عن مكان آخر.
عانت ألمانيا قبل سنوات قليلة من أزمة نقل نفايات نووية مغلفة في براميل بلغت عددها 126000 بعدما واجهت خطر الغرق، مما اعتبرت معه الصحافة الألمانية أن مسماراً جديداً يدق في نعش الطاقة النووية.
فنلندا الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك أربع مفاعلات نووية من إجمالي 436 مفاعل حول العالم، التي لديها مدفن للنفايات النووية متوسطة وضعيفة الإشعاع وتسعى لعمل مدفن نهائي للنفايات المشعة عالية الإشعاع في عام 2020، مدعومة بقبول شعبي لهذا الاتجاه.
باقي دول العالم لا يوجد لها مدفن آمن نهائي للمخلفات النووية، بما في ذلك الولايات المتحدة ذات الـ 104 مفاعل نووي والمنتج لـ 19% من احتياجاتها الكهربائية
في عام 2010 صدر رأي قانوني من وكالة دعم البيئة الألمانية .. "إن إطالة عمر محطات الطاقة النووية الذي تخطط له الحكومة الاتحادية مخالف للدستور، بما أن تحديد موقع مدفن النفايات النووية غير محسوم".
السؤال المائة والحادي والأربعون: لماذا يتجاهل مروجي المحطة النووية المصرية الإشارة بوضوح لخطط إعداد المدفن الآمن للنفايات النووية متوسطة وعالية الإشعاع؟
السؤال المائة والثاني والأربعون: بعد خمسين عاماً من تشغيل المفاعلات النووية تجارياً، كم عدد المدافن المرخص لها بدفن النفايات النووية دولياً؟
السؤال المائة والثالث والأربعون: ما شروط المدفن الآمن للنفايات النووية بكل أنواعها؟
السؤال المائة والرابع والأربعون: إذا اعترض سكان المنطقة المصرية المقترح دفن النفايات النووية بها.. ماذا ستفعل الجهات المختصة؟ هل للسكان أصلاً حق الاعتراض على مشروع وطني للبلد كله؟
السؤال المائة والخامس والأربعون: جرى الحديث عن دفن نفايات نووية في بلدان أفريقية فقيرة، هل أنت مع أم ضد استغلال الدول الفقيرة لدفن النفايات النووية بها؟ لماذا؟
السؤال المائة والسادس والأربعون: النقل غير المضر للنفايات المشعة هدف ممكن أم حلم صعب المنال؟ لماذا؟
السؤال المائة والسابع والأربعون: لماذا يستمر الجدل الشعبي حول مدفن ما لسنوات طويلة قبل اختياره بشكل نهائي؟
السؤال المائة والثامن والأربعون: هل هناك رقم متوقع متداول ذو مصدقية لتكلفة المدفن الآمن للنفايات النووية المصرية؟
السؤال المائة والتاسع والأربعون: كيف يمكن دفن النفايات النووية المصرية لمئات وآلاف السنين بشكل آمن بعيداً عن تلويث البيئة؟
السؤال المائة والخمسون: هل السادة الخبراء / مروجي المشروع النووي المصري مع إنشاء المفاعل النووي أولاً أم تحديد مدفن آمن للنفايات النووية أولاً؟ ولماذا؟
تعقيب واجب:
الطاقة النووية مثل الحروب أكبر من أن تترك للخبراء والمختصين وحدهم. خصوصاً وتكلفة مشاريع الطاقة النووية يتحملها المواطن العادي، لا الخبير المختص.. أهل الاختصاص طرف مهم، لكن لا يجب أن يكون الطرف المشارك مع أهل السياسة دون غيرهم في تقرير مصير البيئة والطاقة والمجتمع في مصر.
*صحفي متخصص في شئون الطاقة والمياه
مؤسس الشبكة المصرية للطاقات المتجددة والمياه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق