الأربعاء، 18 يوليو 2012






دلالة الحائرين... الطاقة النووية والمصريين ، للمدون ... أسئلة كاشفة ؟؟

فورسمارك1 – 22 دقيقة من الخوف والرعب 



حدث فى الخامس والعشرين من يوليو العام 2006 فى الساعة 13.19 ظهراً عندما تسبب فنيو الكهرباء بتماس كهربائى فى محطة تحويل كهربائية خلال إجراء عمليات الصيانة خارج المركز النووى السويدى فورسمارك هذه حادثة واردة الحصول حيثما عملت مولدات عملاقة وتوفرت كميات هائلة من الطاقة الكهربائية قيد النقل من محطات توليدها . وعادة لا يتسبب عطل مثل هذا فى شبكة كهربائية مجاورة لمحطة تعمل بالطاقة النووية بمخاطر جدية إذ من المفترض أن أجهزة الأمان مبرمجة بحيث يتم فصل المفاعل النووى عن الشبكة المعطلة قبل أن ينتقل التماس الحاصل خارجاً إلى الشبكة الكهربائية الداخلية . وفى أسوأ الأحوال . يفصل المفاعل بشكل تلقائى إلا انه ونتيجة لوجود تفتت ساخن لمخزون إشعاعى فبإمكانه جعل النشاط مستمراً فى داخله لبضعة أيام أخرى . حينئذ تعمل أنظمة التبريد الاحتياطية تدريجياً على إيصاله إلى بر الأمان . 

مع ذلك فمشهد الثلاثاء فى فورسمارك لم يكن اعتيادياً : لقد تباطأ فصل الشبكة وتسبب العطل العادى كليا وبشكل تعاقبى بتعقيدات إضافية وإخفاق جزء كبير من نظام الأمن الكهربائى فى محطة 1 للمفاعل الماء المغلى عن العمل اثنان من أربعة مولدات تعمل على الديزل التى يفترض عند الضرورة أن تزود نظام التحكم فى المفاعل ومضخات التبريد الاحتياطية بالتيار الكهربائى توقفا عن العمل . وعلى مدى اثنين وعشرين دقيقة عصيبة التى مثلت فترة العطل الحرجة بقيت شاشات مرصد المفاعل عبارة عن صفحة بيضاء ولم ترسل مجسات القياس إشارات حول التفاعل النووى المتسلسل داخل المفاعل وحتى جزء من أجهزة مكبرات الصوت التى من المفترض أن تطلق إنذاراً بالاخلاء بقيت صامتة كما غابت معلومات حيوية حول مكان أطقم السيطرة والتحكم بالتفاعل المتسلسل فى نواة المفاعل أو وضع الماء البارد فى أحواضه وعندما نجح أحد الفنيين أخيراً فى تشغيل محركى الديزل المتعطلين يدوياً من خلال الضغط على المفتاح وبالتالى عودة التيار للسريان فى أنظمة القياس والأمان عندئذ فقط تم ايقاف رحلة المفاعل الماضية على نحو أعمى . 

من جهتها لم تلبث وكالة الطاقة النووية السويدية ( أس كى آي ) ان اشارت الى ان توقف اثنين من المحولات عن العمل كان سبباً رئيسياً وراء تصاعد الحدة فى عمل مفاعل الماء المغلى فورسمارك 1 . الأمر الذى أدى إلى عدم انتظام عمل اثنين من أصل أربعة مولدات كهربائية معدة للطوارئ وفى واقع الأمر فإن إعادة رسم مجريات الأحداث لم تكن بالأمر السهل وبخاصة مع ما رافق ذلك من تعطيل لأجزاء كبيرة من أنظمة المراقبة فى المفاعل خلال تلك الفترة الحرجة وهكذا بقيت هناك أمور مبهمة كان أخطرها عدم استطاعة الخبراء توضيح السبب الذى وقف وراء عدم استجابة اثنين من المولدات الأربعة ذات البنية الواحدة للجهد للكهربائى فى تزويد المفاعل بالتيار الكهربائى الا ان ما اتضح فى النهاية يخالف ما كان مأمولاً : فلو كانا قد استجابا لكان المفاعل أغلب الظن قد خرج عن نطاق السيطرة وكانت ستصاب جميع الخطوط الأربعة لنظام حماية المفاعل وبالتالى كما أعلنت وكالة الطاقة الذرية السويدية إلى " تعطيل التزود بالتيار المتردد فى كامل جهاز الطورائ الكهربائى ونشوء حديث لا يمكن التعامل معه ضمن معايير الأمن والسلامة للمنشأة " ( جمعية السلامة فى المفاعل والمنشأت 2006 ) مثل هذا الحادث لم يكن فى حسبان أى دليل أو مرجع وليست هناك من قواعد مرعية للسيطرة عليه ناهيك عن عدم توفر الإمكانية . 

ما حدث فى تلك الظهيرة من صيف 2006 على الساحل الشرقى للسويد يذكر بشكل يبعث على الشؤم بحدثين ما زالا ومنذ عقدين يلقيان بظلالهما كما لو كانا صرخة تحذير على الاستخدام السلمى للطاقة النووية .
هما كارثتا مفاعل هاريسبورغ ( آذار 1979 ) ومفاعل تشرنوبل (نيسان 1986 ) ما حدث فى تلك الحالتين كان قصوراً فى التخطيط يصعب إدراكه وتركيباً يشوبه العيب فى أجزاء بنيوية مهمة وإهمالاً لا يغتفر فى أعمال الصيانة وأخيراً وليس أخراً ثقة عمياء فى تقنية شديدة الحساسية كل ذلك كان قد عرفه المرء من قبل ليس فقط من حادثتى هاريسبورغ وتشيرنوبل ولكن أيضا من منشأة إعادة المعالجة فى سيلافيلد البريطانية ومفاعل مونيو اليابانى لتوليد العناصر القابلة للانشطار أو من منشأة إعادة المعالجة فى توكايمورا فى اليابان ومن محطة تبريد الوقود التابعة لمحطة الطاقة النووية المجرية باكس وأيضا من المفاعلين النوويين الألمانيين فى برونزيوتل أو كروميل على نهر الإلبه وحيثما عمل الانسان لم تغب الأخطاء . 

يمكن أن نعتبر أنفسنا محظوظين حين تكون سلسلة الأخطاء التى يتم إعادة تصنيفها بعد كل حادث " متعذر تفسيرها " لا تسفر دائماً عن نتائج مأساوية كما حصل فى العام 1986 فى أوكرانيا والدول المجاورة لها ففى المجمع / الوحدة 1 من محطة الطاقة الذرية فورسمارك على بعد ما لا يقل عن 100 كيلو متر شمال العاصمة السويدية ستوكهولم اقتصر الأمر على 22 دقيقة من الخوف والهلع عاشها طاقم المفاعل فى الموقع وبضع شكوك عميقة فى مصداقية شركة فاتنفال التى تقوم على تشغيل المفاعل مثل هذه الشكوك العميقة ما فتئت تقتات على ذلك المشروع الحكومى السويدى ولا تقتصر عليه فقط . بل انتقلت عدواها إلى أماكن أخرى ألا وهى محطات الطاقة النووية الألمانية فى برونزيوتل وكرمويل وعلى الأرجح أضحى اسم فورسمارك منذ ذلك الحين رمزاً للحادث الأكثر درامية فى مفاعل نووى أوروبى منذ كارثة تشيرنوبل فالخبراء من محليين ودوليين ممن حاولوا إعادة رسم صورة لما جرى فى ذلك اليوم كان عليهم مواجهة الحقيقة المفزعة ألا وهى ان الأسوأ لم يحدث ولكنه قابل للحدوث فى أى وقت . 



ليست هناك تعليقات: