تزداد حدة مشكلة توفير الكهرباء على مدار الساعة حتى في عواصم ومدن الكثير من الدول العربية. وتتجه هذه المشكلة للتفاقم طالما استمر غياب التشريعات والقوانين الجاذبة للاستثمار في قطاع حيوي لا يمكن بدونه تحقيق أية تنمية.
لا تعاني غالبية الدول العربية من فقر مصادر الطاقة الكهربائية كالنفط والغاز وضوء الشمس والرياح. كما أن معظمها قادر توفير رؤوس الأموال اللازمة لمشاريع الكهرباء، التي لا تنعم بنورها حتى الآن الكثير من الأرياف والمدن والعواصم العربية على مدار الساعة. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى عجز الإنتاج -الذي يتولاه قطاع الدولة بالدرجة الأولى- عن مجاراة الطلب المتزايد للأغراض الصناعية والمنزلية.
المشاركون في أعمال الملتقى العربي الألماني الخامس للطاقة في العاصمة الألمانية برلين اتفقوا على أن الدول العربية تحتاج لاستثمارات ضخمة في قطاع الكهرباء خلال السنوات الخمس القادمة. وتقدر الشركة العربية للاستثمارات البترولية التي تتخذ من السعودية مقرا لها أن على هذه الدول استثمار ما يزيد على 256 مليار دولار حتى عام 2019 لسد الطلب المتزايد في أسواقها. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، أين تكمن مشكلة سد النقص ومواكبة الطلب على الكهرباء، طالما أن مصادر التوليد والأموال اللازمة متوفرة في أغلبية الدول العربية؟
تسمم مناخ الاستثمار
المتلقى العربي الألماني للطاقة: جهد لتعزيز التعاون بين الشركات الألمانية والعالم العربي في مجال الكهرباء والطاقة
من المؤكد أن التطورات والاضطرابات السياسية والأمنية في عدد من الدول العربية كمصر والعراق وسوريا واليمن وتونس والبحرين أخافت المستثمرين المحليين منهم والأجانب ودفعتهم خلال السنوات الثلاث الماضية إلى التوجه للاستثمار في دول أخرى أو انتظار ما ستؤول إليه الأحداث وتبعاتها في هذه البلدان والبلدان المجاورة. كما أن أجواء هذه الاضطرابات المستمرة منذ عام 2011 سممت بشكل عام مناخ الاستثمار في مجمل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتأتي مخاوف المستثمرين من تعزيز حضورهم في العالم العربي بعد فترة ساد فيها إقبال جيد على الاستثمار في مشاريع الطاقة وغيرها خلال فترة ما قبل اندلاع أحداث ما يسمّى "الربيع العربي". "قبل عام 2011 سادت عند المستثمرين الأجانب نشوة الاستثمار في دول مثل مصر وتونس على أساس أن الاستقرار السياسي والأمني سيستمر هناك على مدى السنوات الثلاثين القادمة"، يقول كيليان بيلتس، الخبير في مؤسسة أميريللر Amereller للاستشارات القانونية الناشطة في العديد من الدول العربية، ويضيف: "غير أن الوضع تغير الآن، فهؤلاء يرون بأن الأمور لن تتغير خلال السنوات القليلة القادمة بحيث يكون هناك مناخ استثمار يمكن مقارنته بمثيله في دول أوروبية ". غير أن الوضع الحالي يحمل في طياته إيجابيات منها بحسب بيلتس: "هناك اعتراف علني بوجود المشاكل في البلدان المذكورة، وهناك إرادة ورغبة بالعمل على حلها في مصر ودول أخرى".
الحديث عن المشاكل ينقلنا إلى مشكلة جوهرية تعيق مواجهة تحدي الاستثمار في قطاع الطاقة الكهربائية، ألا وهي غياب أو عدم استكمال الأطر والتشريعات القانونية اللازمة لجذب الاستثمارات لاسيما الخاصة منها إلى هذا القطاع الحيوي. وتبرز عيوب هذه التشريعات بشكل خاص في مجالات الطاقة المتجددة التي تشهد تطورات تقنية متسارعة تجعل الاستثمار فيها مجديا من الناحية الاقتصادية، ناهيك عن كونها صديقة للبيئة.
لابد من تشريعات جديدة
ثغرات الأطر والتشريعات القانونية هذه يجب سدها من خلال تعديل القوانين السائدة وإصدار قوانين جديدة تنظم عمل الشركات وعوائد الاستثمار والعلاقات مع الجهات الحكومية المعنية وتشجع التصنيع المحلي للمعدات والمنتجات التي تتمتع بكفاءة عالية وفقا لما ذكره محمد التويجري، الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في جامعة الدول العربية. وأضاف التويجري في مقابلة مع DW عربية على هامش أعمال ملتقى الطاقة العربي الألماني الخامس الذي تنظمه غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية (غرفة) أن "هناك حاجة ماسة أيضا لتأهيل الكفاءات وتوعية الناس إلى أهمية ترشيد الطاقة". وعلى هذا الأساس بدأت الجامعة العربية بتنفيذ مشروع "كفاءة الطاقة، إذ تم وضع معايير موحدة Standard لمواصفات الأجهزة التي ينبغي أن تتمتع بكفاءة أعلى واستهلاك أقل للطاقة لجميع الدول العربية".
خبرة ألمانية للتصدير
غير أن الحديث عن عيوب الإطار القانوني للاستثمار في مشاريع الطاقة الكهربائية يتطلب التمييز بين دولة وأخرى، ففي مصر على سبيل المثال تم إصدار قانون ينظم عمل الشركات الخاصة في قطاع الكهرباء. ومؤخرا حصلت تغيرات إيجابية تتمثل في إصدار تعرفة جديدة تشجع على إنتاج الطاقة. وهناك قانون جيد بهذا الخصوص في الأردن على حد قول كيليان بيلتس، الخبير في مؤسسة أميريللر Amereller للاستشارات القانونية الناشطة في العديد من الدول العربية. "غير أن دولا أخرى مثل السعودية وليبيا يمكنها عمل الكثير إذا غيرت قوانين الطاقة السائدة لديها"، يضيف بيلتس.
وفيما يتعلق بإمكانات الاستفادة من الخبرات الألمانية في مجال التشريع يرى بيلتس بأن قانون دعم الطاقات المتجددة EEG الذي تعتمده ألمانيا يمكن الاستفادة منه وتصديره إلى الدول العربية التي تعمل على تعديلات تشريعاتها المتعلق بالاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة وفي مقدمتها طاقة الشمس وطاقة الرياح. ويهدف القانون إلى تنويع مصادر الطاقة على أساس زيادة حصة الطاقات المتجددة في السوق على حساب الطاقة النووية والطاقة التي تعتمد على الفحم الحجري. الجدير ذكره أن ألمانيا تعمل على زيادة نسبة الكهرباء من مصادر صديقة للبيئة إلى ما لا يقل عن 40 بالمائة بحلول عام 2025 و 55 بالمائة عام 2035.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق