ما الجديد؟
تمضي أثيوبياً قُدماً في بناء أكبر سد في أفريقيا، رغم
مخاوف مصر من أنه سيقلص تدفق مياه النيل أسفل النهر الذي يشكل مصدراً لنحو 90% من
إمداداتها من المياه العذبة. من الحاسم أن تسوي الأطراف نزاعها قبل
بدء السد بالعمل.
ما أهمية ذلك؟
يمكن أن تنجر دول حوض النيل إلى الصراع لأن الرهانات
مرتفعة للغاية؛ فأثيوبيا ترى في السد ذي الاستخدامات المائية والكهربائية مشروعاً
تنموياً محورياً وطنياً؛ والسودان متلهفة للحصول على الكهرباء الرخيصة وتوسيع
الإنتاج الزراعي، الأمران اللذان يعد بهما السد؛ بينما مصر ترى في احتمال خسارتها
للمياه تهديداً وجودياً.
ما الذي ينبغي فعله؟
ينبغي على الدول الثلاث تبني مقاربة من خطوتين: أولاً،
عليهما بناء الثقة بالاتفاق على شروط ملء خزان السد بحيث لا تتضرر البلدان الواقعة
في أسفل النهر. ثانياً، ينبغي عليها التفاوض على إطار عمل عابر للحدود لتقاسم
الموارد من أجل تحاشي الصراعات المستقبلية.
الملخص التنفيذي
يبقى الصراع الثلاثي بين أثيوبيا ومصر والسودان
حول تقاسم مياه النيل في حالة استعصاء. خفَّفَ وصول قيادة جديدة في أثيوبيا إلى
السلطة في نيسان/أبريل 2018 من التوترات بين القاهرة وأديس أبابا. غير أن الطرفين
لم يحرزا تقدماً يذكر في تسوية الأزمة التي أحدثها قرار أثيوبيا في العام 2011
ببناء سد النهضة الأثيوبي العظيم. الذي توقع أن يكون أكبر محطة لتوليد الطاقة من
المياه في أفريقيا. تخشى مصر من أن السد سيقلص بشكل كبير تدفق المياه إليها ويعرض
أمنها الوطني للخطر. أثيوبيا والسودان تؤكدان حقهما باستغلال مياه النيل من أجل
تطوير اقتصادهما. على البلدان الثلاثة العمل الآن لتحاشي أزمة أشد خطورة عندما
يبدأ السد بالعمل، والاتفاق على الانطلاق في خطوات فورية للحد من الأضرار، خصوصاً
خلال عملية ملء خزان السد، عندما يحتمل أن يتراجع تدفق المياه في أسفل النهر. ثم
ينبغي على البلدان الأخرى الواقعة على ضفة نهر النيل أن تسعى للتوصل إلى اتفاق
عابر للحدود حول تقاسم الموارد يحقق التوازن بين احتياجات جميع بلدان حوض النيل
ويوفر إطاراً لتحاشي الصراع على مشاريع مستقبلية.
الرهانات مرتفعة في هذا النزاع؛ فمصر تعتمد على
النيل للحصول على نحو 90% من احتياجاتها من المياه العذبة. وتجادل حكومتها بأن
التلاعب بتدفق مياه النهر سيحول ملايين المزارعين ‘إلى عاطلين عن العمل ويهدد
إمدادات البلاد من الغذاء. في أثيوبيا يقدر المهندسون أن سد النهضة سينتج نحو
6,450 ميغاوات من الكهرباء. ما يمثل جائزة كبرى تعزز تطلعات البلاد للوصول إلى
مكانة البلد متوسط الدخل بحلول العام 2025. لقد روجت السلطات للسد بوصفه مشروعاً
وطنياً محورياً؛ حيث اشترى ملايين الأثيوبيين سندات لتمويل بناءه، ما ساعد على غرس
المبادرة عميقاً في الوجدان الوطني. إلا أن الدعم الشعبي المتحمس للسد خفت مؤخراً
في أعقاب اتهامات بسوء الإدارة المالية.
بين عامي 2011 و2017، وضع القادة المصريون
والأثيوبيون النزاع حول سد النهضة في إطار من الخطاب القومي المفرط وتبادلا
تهديدات عدائية. دعا سياسيون في القاهرة إلى تخريب السد؛ وأجرت وسائل الإعلام في
كلا البلدين مقارنات لقوة البلدين العسكرية استعداداً لأعمال العدائية. مصالحة تم
الوصول إليها مؤخراً هدّأت من حدة النزاع؛ حيث قام رئيس وزراء أثيوبيا الجديد آبي
أحمد، بزيارة القاهرة في حزيران/يونيو 2018 ووعد بألا تلحق المشاريع التنموية
الأثيوبية الضرر بمصر. بالمقابل، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن بلاده
تعترف بأن لا حل عسكرياً للنزاع. لكن رغم تحسن العلاقات، لم يتم تحقيق تقدم ملموس
نحو إيجاد حل.
الاضطرابات السياسية في البلدان الثلاثة تعقّد
هذه المهمة بدرجات متفاوتة. ففي السودان، يتمسك الرئيس عمر البشير، الموجود في
السلطة منذ العام 1989، بمنصبه بشكل يزعزع الاستقرار وسط موجة مستمرة من
الاحتجاجات لم تشهدها البلاد منذ عقود. وفي أثيوبياً، بينما يحظى آبي بشعبية
كبيرة، فإنه يصارع لإحكام قبضته على السلطة. الرئيس السيسي في مصر آمن في
منصبه ، الديناميكيات الداخلية تعني أن القادة الثلاثة لا يخصصون ما يكفي من وقتهم لقضية السد
على نهر النيل. ثمة احتمال في أن يدخلوا في أزمة ما لم يتوصلوا إلى صفقة قبل بدء
سد النهضة بالعمل.
ينبغي على السلطات المصرية والأثيوبية والسودانية
أن تنظر في مقاربة على مراحل للاتفاق على تحديد مسار إلى الأمام. تتمثل القضية
الأكثر إلحاحاً في مدى السرعة التي سيتم فيها ملء خزان السد. في البداية، اقترحت
أثيوبيا ملأه في ثلاث سنوات، بينما اقترحت مصر عملية تستمر إلى 15 عاماً. لتحقيق
اختراق في هذه القضية، ينبغي على أثيوبيا أن تتعاون بشكل كامل مع شركائها في الدول
الأقرب إلى مصب النهر ودعم الدراسات الساعية لوضع المخطط الزمني الأمثل لملء السد.
ينبغي أن تضع حداً لسياستها غير المعلنة في المماطلة حيال هذا الموضوع. وإذا لزم
الأمر، ينبغي على البلدان الثلاثة طلب الدعم من طرف ثالث، شريك متفق عليه للخروج
من المأزق. ينبغي على أثيوبيا أن توافق على تنظيم معدل ملء السد بحيث يتسارع في
السنوات التي ترتفع فيها الهطولات المطرية، ما من شأنه أن يقلص احتمال انقطاع تدفق
المياه.
من أجل تقليص الشكوك المتبادلة، ينبغي على
القادة اتخاذ عدد من إجراءات بناء الثقة. ينبغي على رئيس الوزراء آبي دعوة نظيريه
المصري والسوداني إلى جولة في موقع بناء سد النهضة، ما سيبرز استعداد أثيوبياً
لمعالجة هواجس البلدين أسفل النهر. من شأن هذا التعبير الأثيوبي عن حسن النية أن
يوفر للسلطات المصرية مساحة لإجراء التعديلات الضرورية، خصوصاً تحسين أنظمة
الإدارة المائية غير الكفؤة في البلاد. كما ينبغي على القاهرة من جهتها أن تعلن
أنها لن تدعم مجموعات المعارضة الأثيوبية المسلحة، من أجل تهدئة مخاوف أديس أبابا.
يمكن للشركاء الخارجيين أن يساعدوا في عملية
بناء الثقة. يمكن لبنك الاستثمار الأوروبي، الذي يعتبره الأثيوبيون أقل محاباة
لمصر من البنك الدولي، أن يقدم التمويل لأديس أبابا في المرحلة الأخيرة من بناء
السد. ويمكن لهذا التمويل أن يكون مشروطاً بتعاون أثيوبيا حول النقاط العالقة مثل
معدل ملء السد. كما ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يتابع محادثاته مع بلدان أسفل
النهر حول ضمانات محتملة (بما في ذلك القروض) وأدوات أخرى لدعم تلك البلدان في
السنوات التي يعرّض فيها الجفاف أو الصدمات الأخرى الأمن الغذائي للخطر. كما يمكن
للسعودية والإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى قطر وتركيا، أن تقدم استثمارات
ثنائية أو ثلاثية في القطاع الزراعي في أثيوبيا و/أو السودان توفر لمصر مصدراً
يمكن الركون إليه من المواد الغذائية الرئيسية، خصوصاً القمح والأرز. كما يمكن
للولايات المتحدة والصين، اللتان تتمتعان بعلاقات وثيقة مع بعض حكومات حوض النيل،
أن تشجعا الأطراف على تسوية نزاعاتها قبل اكتمال بناء سد النهضة.
ينبغي على أديس أبابا والقاهرة والخرطوم
وضع الأرضية لنقاشات جوهرية حول إطار طويل الأمد لإدارة حوض النيل لتفادي أزمات
مماثلة في المستقبل. ينبغي على مصر أن تنضم لمبادرة حوض النيل، المنصة الوحيدة
التي تجمع جميع البلدان التي يمر بها النهر وأفضل منبر متوفر لمناقشة تقاسم
الموارد بشكل يحقق الفائدة المتبادلة. يمكن لمثل تلك المحادثات أن تنظر في
المقترحات المصرية التي تقوم بموجبها بلدان أعلى النهر بتنفيذ مشاريع تنموية كبرى
بالتشاور مع بلدان أسفل النهر. كما يمكن لإطار مؤسساتي دائم أن يساعد البلدان
أيضاً على تحضير نفسها للتحديات المستقبلية، بما في ذلك الصدمات البيئية الناجمة
عن التغير المناخي, خصوصاً الأنماط المتغيرة للهطولات المطرية، التي من شأنها أن
تتسبب بدرجة أكبر من الشدة المائية.
ينبغي على الشركاء الخارجيين تشجيع مصر، وأثيوبيا
والسودان على مقاربة النزاع ليس بوصفه صراعاً وجودياً بل بوصفه فرصة لتأسيس شراكة
لتقاسم الموارد. إن التأخير في إكمال بناء سد النهضة وتحسن المزاج في أعقاب وصول
رئيس الوزراء آبي إلى السلطة تجعل من هذه اللحظة مواتية للتفاوض على كيفية المضي
إلى الأمام. إن الانتظار حتى يكتمل السد ويبدأ بالعمل – عندما سيكون أثره على
بلدان أسفل النهر أشد وضوحاً – سيزيد من مخاطرة نشوب صراع عنيف.
نيروبي/أبو ظبي/اسطنبول/بروكسل 19 آذار/مارس 2019
Bridging the Gap in the Nile Waters Dispute
Ethiopia is building a mighty dam on the Blue
Nile, promising economic benefits for both itself and Sudan. But Egypt fears
for its freshwater supply. The parties should agree on how fast to fill the
dam’s reservoir and how to share river waters going forward
What’s new?
Ethiopia is moving ahead with construction of Africa’s
largest dam, despite Egypt’s worry that it will reduce the downstream flow of
the Nile, the source of around 90 per cent of its freshwater supply. It is
crucial that the parties resolve their dispute before the dam begins operating.
Why does it matter?
Nile basin countries could be drawn into conflict because the
stakes are so high: Ethiopia sees the hydroelectric dam as a defining national
development project; Sudan covets the cheap electricity and expanded
agricultural production that it promises; and Egypt perceives the possible loss
of water as an existential threat.
What should be done?
The three countries should adopt a two-step approach: first,
they should build confidence by agreeing upon terms for filling the dam’s
reservoir that do not harm downstream countries. Next, they should negotiate a
new, transboundary framework for resource sharing to avert future conflicts.
Executive Summary
The three-way dispute among Ethiopia, Egypt and Sudan over
the sharing of the Nile waters remains deadlocked. An April 2018 leadership
transition in Ethiopia eased tensions between Cairo and Addis Ababa. But the
parties have made little headway in resolving the crisis triggered by
Ethiopia’s 2011 decision to build the Grand Ethiopian Renaissance Dam (GERD),
expected to be the largest hydropower plant in Africa. Egypt fears that the dam
will drastically reduce water flow downstream and thus imperil its national
security. Ethiopia and Sudan assert their right to exploit the Nile waters to
further develop their economies. The three countries need to act now to avert a
graver crisis when the dam comes online. They should accede to immediate steps
to mitigate damage, particularly during the filling of the dam’s reservoir,
when water flow to downstream countries could decline. Next, they and other
riparian states should seek a long-term transboundary agreement on resource
sharing that balances the needs of countries up and down the Nile basin and
offers a framework for averting conflict over future projects.
The stakes in the dispute are high. Egypt relies on the Nile
for about 90 per cent of its freshwater needs. Its government argues that
tampering with the river’s flow would put millions of farmers out of work and
threaten the country’s food supply. In Ethiopia, engineers estimate that the
GERD will produce about 6,450 megawatts of electricity, a hydropower jackpot
that would boost the country’s aspirations to attain middle-income status by
2025. Authorities have sold the dam as a defining national endeavour: millions
of Ethiopians bought bonds to finance its construction, helping implant the
initiative in the national psyche. Fervent public support for the dam has
recently cooled, however, following allegations of financial mismanagement.
Between 2011 and 2017, Egyptian and Ethiopian leaders framed
the GERD dispute in stark, hyper-nationalist terms and exchanged belligerent
threats. Politicians in Cairo called for sabotaging the dam. Media outlets in
both countries compared the two sides’ military strength in anticipation of
hostilities.
A recent rapprochement has quieted the row. Ethiopia’s new Prime
Minister, Abiy Ahmed, visited Cairo in June 2018 and promised to ensure that
Ethiopia’s development projects do not harm Egypt. In turn, Egyptian President
Abdel Fattah al-Sisi said his country recognises that the dispute has no
military solution. But despite the warming relations, there has been little
substantive progress toward a resolution.
Political upheaval in all three countries complicates this
task to varying degrees. In Sudan, President Omar al-Bashir, in power since
1989, is clinging precariously to his job amid the most sustained wave of
protest the country has seen in decades. In Ethiopia, Abiy, while enormously
popular with the public, is struggling to consolidate his hold on power.
Egypt’s Sisi is relatively secure in his position, but his drive to extend his
stay in office until at least 2034 has divided the military establishment, his
key domestic constituency. These internal dynamics mean that the leaders
dedicate less time to the Nile dam issue than they should. They could blunder
into a crisis if they do not strike a bargain before the GERD begins operation.
Egyptian, Ethiopian and Sudanese authorities should consider
a phased approach to agreeing on a way forward. Most urgent is the question of
how quickly to fill the dam’s reservoir. At first, Ethiopia proposed filling it
in three years, while Egypt suggested a process lasting up to fifteen. To
achieve a breakthrough on this question, Ethiopia should fully cooperate with
its downstream partners and support studies seeking to outline an optimal fill
rate timeline. If necessary, the three countries should seek third-party
support from a mutually agreed-upon partner to break the impasse. Ethiopia
should also agree to stagger the fill rate so that it picks up pace in years
with plentiful rains, which would minimise disruption of water flows.
To reduce mutual suspicion, leaders should take a number of
confidence-building measures. Prime Minister Abiy should invite his Egyptian
and Sudanese counterparts to tour the GERD construction site, thus highlighting
Ethiopia’s willingness to address downstream countries’ concerns. Such a
demonstration of Ethiopian good-will could afford the Egyptian authorities the
space to make necessary adjustments, notably improving inefficient water
management systems. For its part, Cairo should declare that it will not support
armed Ethiopian opposition groups, to allay Addis Ababa’s fears.
Outside partners should encourage Egypt,
Ethiopia and Sudan to approach the dispute not as an existential conflict but
as a chance to establish a resource-sharing partnership.
Outside partners could help build confidence. The European
Investment Bank, which the Ethiopians perceive as less pro-Egyptian than the
World Bank, might offer Addis funding for the last phase of dam construction.
Such funding could be conditional on Ethiopia cooperating on sticking points
such as the fill rate. The EU should continue its talks with downstream
countries on potential guarantees (including loans) and other instruments to
support those countries in years in which drought or other shocks endanger food
security. Saudi Arabia and the United Arab Emirates (UAE), as well as Qatar and
Turkey, could offer bilateral or trilateral investment in agriculture in Ethiopia
and/or Sudan that afford Egypt a discounted and reliable supply of staples,
notably wheat and rice. The U.S. and China, which enjoy close ties to some Nile
basin governments, could also encourage parties to resolve their disputes
before the GERD is completed.
Next, authorities in Addis Ababa, Cairo and Khartoum should
lay the ground for more substantive discussions of a long-term framework for
Nile basin management to avert similar crises in the future. Egypt should
rejoin the Nile Basin Initiative, the only forum that brings together all
riparian countries and the best venue available for discussing mutually
beneficial resource sharing. Such talks would consider Egyptian proposals that,
in the future, upstream countries carry out major development projects in
consultation with downstream nations. A permanent institutional framework could
also help the countries prepare for challenges down the road, including climate
change-induced environmental shocks, notably variable rainfall patterns, which
could cause greater water stress.
Outside partners should encourage Egypt, Ethiopia and Sudan
to approach the dispute not as an existential conflict but as a chance to
establish a resource-sharing partnership. Delays in the GERD’s completion and
the improved mood following Prime Minister Abiy’s ascent make this moment
propitious for negotiating a way forward. Waiting until the dam is operational
– when its impact on downstream countries is clearer – would raise the risk of
violent conflict.
Nairobi/Abu Dhabi/Istanbul/Brussels, 20 March 2019
الشبكة المصرية
ثمان سنوات في خدمة القطاع الناشيء
ENFRWC Eight years serving emerging sector of Water & RE
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق