الاثنين، 21 مايو 2012





حقوق بيئية و تنموية مستدامة في دستور تونس الجديد ؟

 الاقتصاد الاخضر والطاقات المتجددة أو النظيفة، بدائل يطرحها الخبراء في تونس لتحقيق التنمية المستدامة، في بلد يخرج لتوه من ثورة عارمة، أفرزت تساؤلات ومراجعات لكل السياسات التي كانت متبعة بما فيها النموذج التنموي.

 

 

في هضاب شمال تونس وأريافه الجميلة بمنطقتي العالية ومنزل بورقيبة بمحافظة بنزرت تمتد على مرأى البصر بين الحقول والبساتين مراوح توليد الطاقة الكهربائية بالاعتماد على الرياح، بفضل مشروع للطقات المتجددة أو البديلة ، أقيم هناك وتبلغ تكاليفه 610 مليون دينار(اليورو يعادل 2 دينار تونسي) إلى توفير الكهرباء لحوالي 350 ألف ساكن وانتاج ما يقارب 600 ميغاوات عند نهاية المشروع.
وزير الصناعة التونسي محمد الامين الشخاري، قال في حفل خمسينية الشركة التونسية للكهرباء والغاز مؤخرا أنه في ظل الارتفاع المستمر لأسعار المحروقات يشكل التوجه نحو الطاقات النظيفة والمتجددة إحدى الخيارات المستقبلية لضمان انتقال آمن في مجال الطاقة،والضغط على تكاليف الإنتاج والمحافظة على المحيط والمساهمة في الحد من التغيرات المناخية. وزير الصناعة التونسي أوضح أن المشروع يهدف إلى الرفع من مساهمة الطاقة الهوائية على الصعيد الوطني إلى حدود 6 بالمائة من انتاج الكهرباء. كما سيمكن المشروع حسب القائمين عليه من تفادي انبعاث أكثر من 608 ألف طن من غازي أوكسيد الكربون.
وتسعى تونس إلى تدعيم جهود التنمية المستدامة وتوفير مصادر طاقية جديدة بعد ان تمكنت من تحقيق نسبة ربط بالكهرباء فاقت 99.5 بالمائة. ولكن رغم هذه النسب المرتفعة نسبيا، يقر وزير الصناعة التونسي بوجود تقصير في ربط المناطق الداخلية بالغاز الطبيعي في اشارة منه إلى التفاوت التنموي بين الجهات في تونس. وللعدل بين الجهات وتأمين تزويد مناطق الشمال الغربي وولايات الوسط تعتزم تونس ربط هذه الجهات بشبكات الغاز الطبيعي انطلاقا من سنة 2013.

تونس تستفيد من التجربة الألمانية

نورة العروسي المديرة العامة للوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة نورة العروسي المديرة العامة للوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة 

قالت السيدة نورة العروسي المديرة العامة للوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة في حديث لـ DW أن الطاقات البديلة هي قاطرة تعزيز الاقتصاد الاخضر، فهي التي تساهم في خلق مواطن الشغل في مختلف القطاعات. وأوضحت أن قطاع الصناعة سجل تقدما في مجال استعمال الطاقات البديلة مقابل تقدم محتشم في قطاعي النقل والبناء المقتصد للطاقة.
وتستفيد تونس من التجربة الالمانية في مجالات عديدة تتعلق بتثمين الطاقات المتجددة والتحكم في الطاقة وحماية الطبيعة وتساعد الوكالة الالمانية للتعاون الدولي GIZ تونس في مجال التكوين والدراسات الفنية وانجاز المشاريع. ومن أهم المشروعات برنامج تعزيز القدرات ودعم المؤسسات التي تنشط في قطاع الطاقة. ويبلغ حجم تمويل هذا المشروع 2 مليون يورو.
ورغم جهود مختلف المتدخلين في مجال التنمية المستدامة وتعدد المشروعات والبرامج العمومية، فإن خبراء البيئة وحماية الطبيعة يرون أن على تونس مراجعة مختلف منظوماتها البيئية كمنظومات اعادة تدويرالزيوت المستعملة ومعالجة البلاستيك والنفايات الصلبة والاقتصاد في الطاقة واستغلال الطاقة الشمسية بالمنازل.
ويؤكد خبير البيئة التونسي حسين الرحيلي في حديث لـ DW أن الفساد قد طال في العهد السابق مختلف المنظومات البيئية. ويبين الرحيلي أن سياسة تونس في مجال البيئة تأسست لسنين طوال على مفهوم خاطئ للبيئة، ويضيف أن هذه المقاربة المحدودة لمفهوم البيئة تتواصل بعد الثورة في ظل صمت الجميع. ويطالب خبير البيئة بضرورة مراجعة الأطر القانونية والهيكلية لمجال البيئة وبناء برامج عمومية على أسس التنمية المستدامة ومبدأ الشفافية وترشيد استغلال المال العام.

استغلال الموارد المائية على حساب الفقراء

وزير الصناعة التونسي محمد الامين الشخاري وزير الصناعة التونسي محمد الامين الشخاري

ويرتبط نجاح المقاربة التنموية التي تعتمد الطاقات البديلة كمحرك أساسي للتنمية المستدامة على المنوال الذي تعتمده البلاد. ويرى أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية مصطفى بالحارث خلال محاضرة ألقاها في أعمال ندوة حول آفاق الاقتصاد الأخضر بشمال أفريقيا والشرق الأوسط عقدت مؤخرا بتونس أن الاقتصاد التونسي حقق طيلة سنوات نسب نمو طيبة وتحصل التونسيون على دخل يساوي 3.5 مرات أعلى من أبائهم سنة 1957 بعد الاستقلال.
وقد سجل الدخل الخام للفرد التونسي نموا بـ 2,9 بالمائة طيلة 45 سنة الاخيرة بما يؤشر على حجم الاستثمارات في مختلف القطاعات. ويضيف أن نموذج التنمية التونسي استغل الموارد الطبيعية بصفة مجحفة وساهم في تغيير هيكلة الحاجيات الاستهلاكية للعائلات. وشكل غياب العدالة الاجتماعية وتفقير المناطق الداخلية والاضرار بالبيئة والتلوث والتصحر ببعض المناطق والهجرة إلى المدن وإلى أوروبا أهم الانعكاسات السلبية لهذا النموذج التنموي.

أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية مصطفى بالحارث أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية مصطفى بالحارث 

ويضيف بالحارث بأن أسرع وسيلة وأقلها كلفة لتعزيز التنمية يتمثل في تحسين المردودية الطاقية لقطاعات البناء والنقل والاضاءة. ويرى أنه على الاحزاب السياسية والمجتمع المدني العمل على تخصيص نسبة من الناتج المحلي الخام للتنمية الخضراء وتوجيه الانتاج والاستهلاك نحو المنتجات المتجددة التي تحترم البيئة. ويوضح أن تونس في حاجة إلى رأسمال ثلاثي الابعاد مالي وطبيعي وبشري، ويوضح أن البلاد في حاجة إلى اقتصاد أخضر يستغل قدرات الطبيعة للرفع من الإنتاجية المستدامة للأرض وتأمين حياة أفضل للمواطن.

احترام البيئة يحقق التوازن الاجتماعي


يقول أستاذ العلوم الاجتماعية ورئيس المنظمة المغاربية لتنموية الموارد البشرية عبد السلام النقازي في حديث لـ DW أن تحديات التنمية في تونس ما بعد الثورة يجب أن تطرح رؤية جديدة طموحة ترتكز على مبدأ التنمية المستدامة بما في ذلك التوازن بين الأبعاد البيئية والاقتصادية والاجتماعية مع المحافظة على حقوق الأجيال القادمة. ويضيف أن التنمية الاقتصادية يجب أن لا تكون على حساب العدالة الاجتماعية بين الفئات والمناطق وان تحافظ على الموارد الطبيعية وعلى جودة الحياة. ويؤكد النقازي على أن البعد الإقليمي المغاربي للتنمية المستدامة هام جدا لإنجاح هذا المنوال التنموي لترابط إشكاليات التنمية والتصرف في الموارد الطبيعية بالمنطقة المغاربية.
ومن جانبه يرى منجي سماعلي، الأستاذ الجامعي وعضو مكتب الدراسات بالاتحاد العام التونسي للشغل أقدم المنظمات النقابية في البلاد أن المناطق الريفية يجب أن تحضى بآفاق كبرى للتنمية عبر الطاقات المتجددة كتكنولوجيا الرياح ومعالجة مياه البحر بما يعزز من نوعية الحياة والحد من الهجرة الداخلية وتقليص الضغط على المدن. ويقول سماعلي أن الاتحاد العام التونسي للشغل يدعم استغلال الطاقات المتجددة ومقاومة التلوث لما له من انعكاسات كبيرة على ظروف العمل والسلامة المهنية للعمال بمواقع الانتاج.

حقوق بيئية في الدستور



لا تغيب مسألة البيئة عن السياسيين وخصوصا أحزاب الخضر في تونس، يؤكد منجي الخماسي الامين العام لحزب الخضر للتقدم في حديث لـDW عربية أنّ "الإنتقال إلى الاقتصاد الأخضر أمر ضروري لا مفرّ منه شئنا أم أبينا، وإن اعتبرناه اليوم خيارا استراتيجيّا فإنّه سرعان ما سيصبح، على المدى المتوسّط مفروضا قسريا وكلّما ماطلنا في الانتقال كلّما زادت كلفته على الأفراد والمجموعات والموازنات".

يدعو الامين العام لحزب الخضر للتقدم الذي تقدم بمشروع دستور إلى المجلس الوطني التأسيسي إلى تعبئة الإرادة السياسيّة والحثّ على تطوير اصلاحات ملائمة في المؤسّسات والسياسات الحكوميّة وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار والابتكار في الاقتصاد الأخضر لدفع عمليّة التنمية المستدامة.
من جانبه يرى عبد القادر الزيتوني الامين العام لحزب تونس الخضراء والذي تأسس بعد الثورة في تصريح لصحيفة "المغرب" إلى ضمان حق المواطن في بيئة سليمة وتنمية مستديمة والتنصيص على ذلك في الدستور القادم. ويطالب الامين العام لحزب تونس الخضراء من الحكومة إلى فتح ملفات الفساد البيئي وتكوين مجلس أعلى للبيئة يتولى وضع استراتيجية الدولة في المجال البيئي



http://www.dw.de/dw/0,,9106,00.html

ليست هناك تعليقات: